أردوغان يكشف سرّ حماسته الشديدة لتطوير العلاقات مع إسرائيل

اختبأ رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان لسنوات طويلة من حكمه، خلف شعارات العداء لإسرائيل، ليصبح لاحقاً أكثر حرصاً على العلاقة مع تل أبيب، ويلتقي بقاداتها وحاخاماتها بشكل لافت ومثير للجدل.

وقد كشف أردوغان، الجمعة، عن السر الذي يقع وراء حماسه المبالغ فيه خلال الأيام الأخيرة لتمتين العلاقات مع إسرائيل، وهو ثروة الغاز، حيث يريد أن “تعمل تركيا وإسرائيل سويا لنقل الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى أوروبا”.

ويشير المراقبون إلى أن أردوغان كان لديه المال والثقة والتأييد الشعبي من أجل بناء علاقات خارجية تقوم على المصالح سواء مع إسرائيل أو محيطيه العربي والأوروبي، لكنه بددها في شعبوية غير مثمرة، والآن يريد أن يغير مساره مئة وثمانين درجة ببناء علاقات قائمة على المصالح والاتفاقيات، ما أظهره بصورة الانتهازي في أنظار العالم، بما في ذلك لدى أولئك الذين كان يسوّق لهم شعارات معاداة إسرائيل.

ومنذ الإعلان عن الاكتشافات الكبرى في مجال الغاز وخاصة في إسرائيل، عمل أردوغان في مرحلة أولى على قطع الطريق أمامها من خلال اتفاقه البحري في 2019 مع حكومة السراج الليبية، والبحث عن شرعية للتنقيب في مناطق مثار خلاف، لكنه فشل في ذلك ما اضطره إلى المناورة وتغيير الخطاب ومحاولة إصلاح علاقاته المتوترة مع القوى الإقليمية، في ظل أزمة اقتصادية حادة تعيشها تركيا.

زيارة هرتزوغ إلى تركيا

وفي تهدئة واضحة بعد سنوات من العداء، قال أردوغان الخميس إن الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ سيزور تركيا في منتصف مارس.

وقال أردوغان للصحافيين في رحلة العودة من أوكرانيا “يمكننا استخدام الغاز الطبيعي الإسرائيلي في بلادنا، وإلى جانب هذا، يمكننا أيضا الانخراط في جهد مشترك لنقله إلى أوروبا”.

ونقلت وسائل إعلام تلفزيونية تركية عن أردوغان قوله “الآن، ستكون هذه القضايا على جدول أعمالنا مع السيد هرتزوغ أثناء زيارته إلى تركيا”.

الخطاب الشعبوي

وقال مراقبون إن أردوغان يريد أن يحصل من خلال التفاوض على ما فشل في تحصيله من خلال الشعارات والخطاب الشعبوي، مشيرين إلى أن خطته هي تعديل مسار مشروع إيست ميد” الممتد من إسرائيل إلى أوروبا ليمر عبر تركيا بدلا من مروره بقبرص، مستفيدا مما يروّج من أنباء تفيد بأن الأميركيين يرفضون هذا المشروع.

ويرمي المشروع لنقل الغاز الطبيعي المستخرج من شرق البحر المتوسط إلى اليونان عبر قبرص ومنها إلى إيطاليا بداية من عام 2025، ويراهن الكثيرون على هذا المشروع الذي يذهب البعض إلى حد اعتبار أنه يشكّل انقلابا على مستوى خارطة الطاقة للقارة العجوز. ويتوقع أن يوفّر نحو 10 في المئة من الاحتياجات الأوروبية للغاز الطبيعي، وبالتالي تخفيف اعتماد أوروبا على الغاز الروسي.

الاحتفاء بذكرى الهولوكوست

وفي الأيام الأخيرة بالغ أردوغان في تركيزه على العلاقة مع إسرائيل والحديث عن زيارة نظيره الإسرائيلي إلى أنقرة، وبلغ الأمر بأردوغان إلى حد الاحتفاء بذكرى الهولوكوست على طريقته الخاصة بعيدا عن الشعارات القديمة المتاجرة بالملف الفلسطيني، حيث وجّه رسالة مفتوحة في اليوم العالمي للهولوكوست دعا فيها إلى عدم تكرار تلك المآسي.

وظلت العلاقات متوترة بين أنقرة وتل أبيب منذ أدانت تركيا احتلال إسرائيل للضفة الغربية وسياستها تجاه الفلسطينيين، بينما دعتها إسرائيل للتخلي عن دعمها لحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة. وطرد كل من البلدين سفيره من البلد الآخر في 2018 بعد خلاف مرير.

وتحدث أردوغان مع هرتزوغ من قبل وسط أجواء التوتر، إلا أن منصب الرئيس شرفي إلى حد كبير في إسرائيل. وفي نوفمبر تحدث أردوغان إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في أول مكالمة من نوعها منذ سنوات.

وقال أردوغان مؤخرا إنه منفتح على إصلاح العلاقات المتوترة بين تركيا وإسرائيل في أعقاب انخفاض الدعم الأميركي لخط أنابيب الغاز المثير للجدل في البحر المتوسط.

وأضاف أنه يعيد إحياء المحادثات مع إسرائيل بشأن فكرة قديمة لجلب غاز البحر المتوسط ​​للعملاء الأوروبيين عبر تركيا، موضحا “لا يزال بإمكاننا فعل ذلك”. وقال أردوغان إن رئيس الوزراء نفتالي بينيت لديه أيضا نهج إيجابي.

وتابع “بصفتنا تركيا، سنبذل قصارى جهدنا للتعاون على أساس الربح للجميع. كسياسيين، لا ينبغي أن نكون هنا للصراعات بل للعيش في سلام”.

الغاز الأذري

ويقول مراقبون إن موضوع الغاز يعتبر بمثابة عقدة لدى أردوغان الذي يسعى لأن تكون بلاده معبرا رئيسيا للغاز نحو أوروبا من روسيا وأذربيجان وشرق المتوسط قافزا على كل التناقضات السياسية، مشيرين إلى أن أردوغان الذي اتفق مع روسيا على نقل الغاز عبر أنبوب “السيل التركي” باتجاه أوروبا تحرك على واجهة أخرى لنقل الغاز الأذري المستخرج من بحر قزوين إلى أوروبا عبر خط “تاناب”، مع أن الهدف منه هو تقليص تعويل أوروبا على الغاز الروسي، وهو ما من شأنه أن يوتر العلاقة بين موسكو وأنقرة المتوترة أصلا بسبب أزمات أخرى.

وزار وفد أوروبي أذربيجان الجمعة في إطار الجهود الأوروبية لتنويع عاجل لمصادر الإمداد بالغاز وتخفيف الاعتماد على الغاز الروسي، في سياق من التوترات بين روسيا والدول الغربية بشأن أوكرانيا.

وكتبت المفوّضة الأوروبية للطاقة كادري سيمسون على تويتر أثناء وجودها في باكو “أريد أن أشكر أذربيجان لجهودها الرامية إلى زيادة عمليات تسليم الغاز للاتحاد الأوروبي عبر ممر الغاز الجنوبي. أذربيجان استجابت للنداء مؤكدةً صدقيّتها”.

و”ممر الغاز الجنوبي” مشروع مؤلف من ثلاثة أنابيب غاز تربط بين أذربيجان وجورجيا وتركيا واليونان وألبانيا ثم البحر الأدرياتيكي وصولًا إلى إيطاليا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى