النظام التركي يستقبل عام 2021 بالأزمات الداخلية والعزلة الدولية

فشل سياسي واقتصادي ينذر بسقوط مرجح لأردوغان وحزبه الحاكم

يستقبل النظام التركي عام 2021 بالمزيد من الأزمات الداخلية والعزلة الدولية، وخيارات تقلصت إلى حدودها الدنيا، بعد أن بدأ المجتمع الدولي بتنفيذ اجراءات عقابية للحد من سلوكها العدوان تجاه العديد من البلدان.

أحداث صعبة خنقت رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان على مدار العام، وقلبت حساباته رأسا على عقب، فبعثرت أهدافه سواء في الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا، أو حتى جنوب القوقاز وشرق المتوسط.

أجندة اختار 2020 أن يقلب فصولها على غير مقاس أهواء أردوغان، فكان عام الغضب الداخلي، والردع الدولي، مع استمرار الرفض العربي لنظام عدواني يعيش على الفوضى والخراب.

خبيران مختصان في الشأن الدولي اتفقا على أن ٢٠٢٠ يمثل عام سقوط النظام التركي، وعام عزلة أنقرة دبلوماسيا على الصعيد الإقليمي والدولي، نتيجة لمحاصرة أردوغان بين فشل سياساته الاقتصادية، وإخفاقاته السياسية المتتالية.

المحلل السياسي السوري شيار خليل، يرى أن أردوغان لم يف بوعوده لرؤساء فروع حزب العدالة والتنمية في الولايات التركية بأن بلاده ستنهي 2020 بمعدل نمو يفاجئ الجميع مرة أخرى، بل أصبحت الليرة التركية تحلم بالعودة إلى بدايات العام، وإلى الأعوام التي كانت فيها أنقرة تنافس العواصم الأوروبية بنهضتها الاقتصادية قبل تحويل البلاد إلى ساحة سياسية وعسكرية للمعارك.

ويعاني الاقتصاد التركي من أزمة حادة، حيث انخفضت الليرة التركية المصنفة كونها إحدى أسوأ العملات في 2020، أمام العملات الأجنبية لثماني سنوات متتالية، وسط توقعات باستمرار الانهيار  في ٢٠٢١، وفق تقارير إعلامية.

الخبير توقع أيضا حدوث انفجار اجتماعي محتمل في أي لحظة بالتزامن مع التدهور الاقتصادي المحلي، وسيطرة حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان على تركيا، من خلال قبضة أمنية تتجلى أثارها في جميع جوانب حياة الأتراك.

واستند المختص في حديثه إلى جملة من المؤشرات السياسية التي يتسم بها المشهد التركي حاليا، والتي تؤكدها عدة تقارير استخبارتية تحذر  من أزمات داخلية قد تهدد استقرار البلاد، بالتزامن مع انفجار مجتمعي ومظاهرات احتجاجية سيحلم أردوغان بالسيطرة عليها ليس لأسباب سياسية فقط، بل لتردي الأزمة الاقتصادية وصعوبة السيطرة عليها وعلى تداعياتها.

وبالنسبة لـ”خليل”، فإن ٢٠٢٠ يعتبر العام الذي كشف نوايا أردوغان الاستعمارية للشرق وأوروبا معاً، عبر دعمه للحركات الإرهابية في ألمانيا وفرنسا والنمسا، واصفا 2020 بأنه عام الحسم بالقضاء على البنية التحتية في نظام حكم أردوغان، وتأسيس بنية تحالفية جديدة بين المعارضة التركية والأحزاب المقربة من الرئيس، لإعادة البلاد إلى الاستقرار والتخلص من الاستعمار الجديد.

وفي معرض تعليقه عن استخدام الدين لخدمة أجندة أردوغان الخبيثة في٢٠٢٠، قال خليل إن أردوغان سعى على مدار العام إلى إدخال البلاد في أزمة سياسية مع المعارضة وحتى الأحزاب المقربة من نظام الحكم، فاستخدم الدين سلاحا وأداة في السياسة، لتقوية وتعميق هيمنته داخلياً وخارجياً. 

وبخصوص تأثيرات أسلوب أردوغان المتاجر بالدين على شعبيته، يضيف خليل أن تلك السياسات تثير استياء واسعا  لدى المعارضة والشارع التركي الذي يعي تماماً خطورة استخدام الدين لأهداف سياسية، وجعل تركيا ساحة لاستقطاب المرتزقة من جميع الدول وإعادة نشرهم في الدول التي يسعى أردوغان مع تنظيم الإخونجية، إلى احتلالها والسيطرة على ثرواتها.

وبحسب المحلل السياسي السوري المخضرم، فإن أردوغان حاول من خلال تواجده في الحكم وإدارة البلاد ونشر المرتزقة في الدول الأخرى، توسيع نفوذ الإسلام السياسي على حساب الدستور التركي والمؤسسات العلمانية والبرلمان الساعي لإلغاء صلاحيات الدولة العلمانية، وبالتالي تحويل تركيا إلى مستعمرة لأجندات مسمومة، وتشويه الدين باسم السياسة، بجانب اعتقال صحفيين وسياسيين وأجانب، والقضاء على حرية الرأي والتعبير في البلاد.

مشاهد أخرى داخلية رسمها الخبير ملخصا سياسات النظام التركي، أبرزها محاولة أردوغان استغلال الوضع السياسي في تركيا لقلب نظام الحكم سابقاً من البرلماني إلى الرئاسي، لكسب المزيد من الصفقات وفتح ممرات إرهابية إلى ليبيا واليمن وسوريا وأرمينيا، بجانب عرض عضلاته السياسية والعسكرية وتصعيد لغته المعادية لأوروبا.

وخلص الخبير إلى أن سياسات أردوغان تسببت في انشقاقات من قبل المتحالفين معه، ليشكلوا قوة ضاغطة أكبر مع المعارضة على نظام الحكم، والسعي لتشكيل كتلة سياسية متشابكة تطالب بإعادة نظام الحكم إلى البرلماني، والتخلص من هيمنة أردوغان وحزبه على البلاد. 

وفعليا، خسر حزب العدالة والتنمية في عام ٢٠٢٠، ١٠% من أعضائه، عقب تحالف رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو ووزير المالية السابق علي باباجان، وتشكيل أحزاب منفصلة عن “العدالة والتنمية”، وتحالف هؤلاء مع بعض الأحزاب المعارضة، متفقين على ضرورة رحيل أردوغان وإبطال سياساته الرئاسية، وإخراج البلاد من الزعزعة الدبلوماسية مع أوروبا والجوار.

جمال رائف، الخبير في العلاقات الدولية قال، من جانبه، إن ٢٠٢٠ هو عام سقوط أردوغان، وأيضا عام العزلة التركية على المستوى الداخلي، حيث فشل النظام في إدارة الاقتصاد، ما أفرز خسارات فادحة تمثلت في معدلات الدين العام، وزيادة معدلات البطالة وارتفاع معدلات التضخم. 

ومؤخرا، أقر البرلمان التركي ميزانية البلاد لعام 2021 رغم الرفض الشديد في أوساط المعارضة التي اعتبرت بنودها تعكس إسرافا غير ضروري يصب في  رفاهية أردوغان والتضييق على الشعب التركي.

ووفق المعارضة التركية، فإن 19.5٪ من الإيرادات الضريبية للبلاد في الموازنة الجديدة ستذهب لسداد فوائد اقتراض الحكومة.

وحسب الحزب التركي “الخير” المعارض، فإن 490 مليون ليرة ستدفع يوميًا للفوائد، وعند تقسيم مصاريف الفوائد على 82 مليون تركي، وهو عدد سكان البلاد، فسيكون نصيب كل فرد 2160 ليرة خلال العام المقبل، أي ما يعادل 6 ليرات في اليوم، الأمر الذي يضاعف آلام الفقراء.

في المقابل، كشف مشروع الموازنة الجديدة عن حجم الامتيازات التي خصصت للرئاسة التركية، في الوقت الذي يطالب فيه أردوغان شعبه بالتحلي بالصبر على الأوضاع الاقتصادية.

وليس الفشل الاقتصادي وحده الذي قد يؤدي إلى سقوط أردوغان، فهناك اخفاقات سياسية متعددة على الصعيد الداخلي أدت إلى تعزيز دور المعارضة في الشارع، وسحب الشعبية من الرئيس، وفق رائف.

وعلى صعيد حقوق الانسان، وصف الخبير المصري الوضع بـ”المتدهور”، تخلله سقوط مدو لأردوغان في إدارة هذا الملف، مستدلا على ذلك بحملات الاعتقالات الواسعة الي نفذها النظام التركي بحق العمال والنساء، وكذلك الصحفيين والاعلاميين والمعارضة.

وخلال عام ٢٠٢٠، وثقت تقارير محلية ودولية ارتكاب نظام أردوغان انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، شملت فض احتجاجات سلمية بالقوة، وارتقاع معدلات الاختطاف والاختفاء القسري، ومعاملة سيئة لمحتجزين، وسجن صحفيين ونشطاء بتهمة “إهانة” الرئيس.

رائف اعتبر أيضا أن أزمة كورونا كانت الضربة القاضية لنظام أردوغان الهش الذي لم ينجح في إدارتها بشكل جيد، مما أضاف فشلا جديدا لسلة اخفاقات النظام.

وفشلت تدابير الحكومة التركية في مواجهة تفشي الجائحة، حيث سجلت أنقرة أعدادا غير مسبوقة من الوفيات والإصابات بالفيروس المستجد.

ويرجع مراقبون أسباب الفشل إلى جملة القرارات المتضاربة التي شهدتها البلاد، سواء من خلال حظر تجوال يتم فرضه بشكل مفاجئ متسببا في تكدس المواطنين بالأسواق وحروب شوارع وزيادة معدلات انتشار العدوى، أو فشل النظام الصحي في استيعاب حالات الوفيات والاصابات.

وفيما يشير رائف إلى عزلة أنقرة إقليميا ودوليا جراء سياستها الخارجية، قال إن “أنقرة أصبحت منعزلة تماما عن محطيها الإقليمي، حيث وقعت العديد من الفجوات الدبلوماسية بينها والعديد من البلدان، في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية”. 

وأوضح أن من بين العقبات التي كانت سببا في العزلة توترات شرق المتوسط، وإصرار أردوغان على التحرش بالجانب اليوناني والتعدي علي مقدرات الجانب القبرصي، بالإضافة إلى مضايقة تركيا للجانب الفرنسي وخلق عداء بينها وبين كافة دول شرق المتوسط، إثر إصرارها على التنقيب بطريقة غير شرعية، ما أدى إلى توتر  العلاقات بين أنقرة وحلف شمال الأطلسي “الناتو”.

ومشيرا إلى كفي الكماشة التي تخنق النظام التركي، قال رائف إن ٢٠٢٠ يمثل عام الخصومة الأمريكية التركية، والأوروبية التركية؛ فمن جهة هناك العقوبات التي فرضتها واشنطن على أنقرة إثر شرائها منظومة الصواريخ “إس- ٤٠٠”، في خطوة من المنتظر أن تتفاقم تداعياتها خلال ولاية الرئيس المنتخب جو بايدن العام المقبل.

وتابع موضحا: “هناك موقف صارم تجاه التحركات التركية التي تهدد أمن واستقرار حلف الناتو والمجموعة الأوروبية، وأيضا المصالح الأمريكية وخاصة الاقتصادية التي أصبحت مرتبطة بدول شرق المتوسط”.

ولفت إلى أت سياسات أردوغان أصبحت تهدد الأمن القومي الأمريكي، خاصة أطماعه المتعلقة بالتوغل السوري والإصرار على المناوشات مع العراق، في وقت تريد فيه واشنطن تقليص التواجد العسكري في هذا النطاق.

أما الطرف الثاني لفكي الكماشة، فأشار رائف إلى قرار البرلمان الأوروبي بضرورة فرض عقوبات على تركيا، بسبب استمرار استفزازاتها في شرق المتوسط، وتعاملها المهين مع ملف اللاجئين، َوتهديدها للدول الأوروبية.

وأكد أن الجانب الأوروبي أصبح ينظر لأنقرة على أنها شريك غير أمن وغير مضمون، ولذلك قلص تجارته مع نظام أردوغان، فيما يبحث عن شركاء ليكونوا البديل عن أنقرة، خاصة في ظل ما يحدثه النظام التركي في ليبيا ونقل أعداد كبيرة من الإرهابيين للشواطئ الأوروبية.

وعلي الصعيد الإقليمي، أوضح المختص في الشؤون الدولية أن حالة العزلة والانشقاق بين الدول العربية وأنقرة في ازياد، ووصلت مرحلة العداء المباشر بسبب التدخل التركي في شؤون كثير من دول المنطقة، ومحاولاتها ضرب الاستقرار في دول مثل مصر، وهو ما قوبل برفض عربي واسع النطاق، ونفير شعبي  ضد الأطماع التركية.

 

 

 

الأوبزرفر العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى