تحذيرات من الانسحاب المتسرع للقوات الأمريكية من أفغانستان

حذر وزير الداخلية الأفغاني مسعود أندرابي الولايات المتحدة الأمريكية، بأن انسحاباً متسرعاً لقواتها من أفغانستان “قد يتيح فرصة للإرهابيين لتهديد العالم”، لافتاً إلى استمرار العلاقات بين “طالبان الإرهابية” وتنظيم “القاعدة”، في انتهاك لاتفاق الحركة وواشنطن.

وقال وزير الداخلية الأفغاني لوكالة “أسوشيتد برس” إن “قوات الأمن الأفغانية قادرة بشكل كامل على الدفاع عن العاصمة والمدن والأراضي التي نوجد فيها الآن. نعتقد أن قوات الأمن الأفغانية أثبتت هذا العام لطالبان أنها لن تكون قادرة على كسب أراضٍ”. واستدرك أن أفغانستان لا تزال بحاجة ماسة إلى دعم مستمر من المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.

ويقول مسؤولون أفغان الولايات المتحدة من أن ضغطاً متزايداً تمارسه، للتوصّل إلى تسوية سياسية، تنهي نزاعاً مستمراً منذ عقدين في بلدهم، “قد يأتي بنتائج عكسية”، من خلال تعثر المحادثات وتقويض الحكومة المنتخبة و”انهيار الدولة” واندلاع “حرب أهلية طويلة”.

وينصّ اتفاق سلام أبرمته إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مع حركة طالبان الإرهابية، على انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، بحلول 1 مايو المقبل.

وتقوم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بمراجعة الاتفاق، فيما أوردت صحيفة “واشنطن بوست” أن ثمة “مؤشرات متزايدة” إلى أن الولايات المتحدة تدرس تأجيل انسحاب قواتها، من أجل الضغط على “طالبان” لتقليص العنف، والامتثال لشروط اتفاقها مع إدارة ترمب.

واستدركت الصحيفة أن مسؤولي إدارة بايدن ذكروا أن القرار النهائي بشأن مستقبل القوات الأميركية في أفغانستان، لم يُتخذ بعد.

وأجرى الموفد الأميركي المكلّف بملف أفغانستان، زلماي خليل زاد، جولة إقليمية الشهر الماضي، شملت كابول والدوحة وإسلام آباد، سلّم خلالها الحكومة الأفغانية وقيادة “طالبان” مسوّدة خطة للسلام.

وتلقى الرئيس الأفغاني أشرف غني رسالة من وزير الخارجية أنتوني بلينكن، تحضّه على تسريع محادثات السلام وإبرام اتفاق مع الحركة. ووَرَدَ في الرسالة: “الولايات المتحدة لم تستبعد أي خيار. أوضح لك ذلك، كي تفهم مدى إلحاح نبرتي”. وأضافت: “إنني قلق من إمكانية تدهور الوضع الأمني، وأن تحقق طالبان مكاسب سريعة على الأرض بعد انسحاب الجيش الأميركي”.

وأوردت “واشنطن بوست” أن نهج إدارة بايدن، الذي سمّاه مسؤولون أميركيون “طلقات القمر”، هو محاولة للتوصّل إلى اتفاق سلام خلال أسابيع، من خلال ممارسة ضغوط تُعتبر سابقة، على فريقَي التفاوض لحكومة غني و”طالبان”، لا سيّما أن محادثاتهما في الدوحة لم تحقق تقدّماً يُذكر، وهي متوقفة منذ أشهر، فيما يتصاعد العنف بأفغانستان، حيث وسّعت الحركة نفوذها وسيطرتها على أراض.

وأشارت الصحيفة إلى أن إدارة ترمب ركّزت على انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، فيما يمارس فريق بايدن ضغوطاً أكبر على المسار الدبلوماسي. وأضافت أن مسؤولين أفغاناً يخشون من أن ضيق الجدول الزمني للمحادثات، والتهديد بسحب كل القوات الأميركية من دون تسوية سياسية، يشكّلان مجازفة بتكرار أخطاء تسعينات القرن العشرين، حين انزلقت أفغانستان إلى حرب أهلية، بعدما سحب الاتحاد السوفيتي قواته. وأتاح ذلك بروز “طالبان” وتسلّمها السلطة، قبل أن يطيح بها الغزو الأميركي بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.

ونقلت “واشنطن بوست” عن مسؤول أفغاني قوله، في إشارة إلى الضغط الأميركي المتزايد: “العواقب بالنسبة إلينا هي انهيار الدولة، ودمار مفاجئ وحرب أهلية طويلة جداً ومكثفة. حقيقة حدوث ذلك في الماضي، تظهر أنه يمكن أن يحدث مرة أخرى”.

وأضاف: “ليس هذا ما وُعدنا به”. ووصف لهجة رسالة بلينكن بأنها “مزعجة” ومخالفة لنهج تشاوري كانت تتوقعه كابول من إدارة بايدن.

ونبّه مسؤول ثانٍ إلى أن “دفع السلام الآن بهذه المبادرة الجديدة بسرعة كبيرة”، يهدد بتقويض الجيش في البلاد. وقال إنه يخشى “عودة المجاهدين القدامى، على حساب قوات الأمن الأفغانية”.

ورفض مكتب غني الإيحاء بأن الرئيس يتعرّض لضغوط أكبر الآن من واشنطن، للتوصّل إلى اتفاق سلام. وقالت فاطمة مورتشال، نائبة الناطق باسم غني، وفقاً لما نقلته “واشنطن بوست”، “إذا كان هناك أي ضغط نشعر به، فهو ضغط الشعب الأفغاني الذي تعرّض للإرهاب” منذ الغزو السوفيتي في عام 1979.

كذلك شدد محمد نعيم، الناطق باسم المكتب السياسي لـ “طالبان”، أن “ضغوط الولايات المتحدة لا تنجح أبداً”، وزاد: “ندرك ذلك لأنهم جرّبوا كل أشكال الضغط خلال 20 سنة”. وأشار إلى أن الحركة تتوقع ألا تنسحب الولايات المتحدة من اتفاق 2020، مستدركاً أن حدوث ذلك سيؤدي إلى “مشكلات، وسيكونون مسؤولين عن ذلك”، بحسب الصحيفة الأميركية.

لكن الصحيفة نقلت عن مسؤول أميركي قوله إن النهج الجديد، المتمثل في “التحرّك بوتيرة أسرع نحو اتفاق سياسي”، هو “أفضل خيار للمضيّ قدماً”. وأضاف: “نظراً إلى ما نحن فيه الآن، فإن البديل أكثر خطورة”.

وكانت رسالة بلينكن ومسوّدة اقتراح السلام بمثابة صدمة، لمسؤولين في كابول. وكانت الحكومة الأفغانية دعت إدارة بايدن إلى إجراء “مراجعة كاملة” لعملية السلام، وممارسة مزيد من الضغط على “طالبان”، قبل الالتزام بانسحاب القوات الأميركية.

ونقلت “واشنطن بوست” عن فاطمة غيلاني، وهي من أبرز المفاوضين الأفغان في المحادثات مع الحركة، قولها في إشارة إلى وزراء حكومة كابول: “كانوا يأملون حدوث معجزة”. وأضافت أنه على القادة الأفغان ألا يُفاجؤوا بحملة الضغط الأميركية، نظراً إلى تعليقات سابقة لبايدن، بشأن رغبته في إنهاء الحرب بأفغانستان. واعتبرت أن الوثيقة المسرّبة “كشفت الواقع على الملأ”، ويمكن أن تكون بمثابة دعوة للاستيقاظ لتوحيد الأحزاب السياسية في أفغانستان.

لكن ردود الفعل في كابول تكشف اتساع شقاق سياسي، بدل التحرّك نحو الإجماع، إذ رحّب عبدالله عبدالله، أبرز خصوم غني ورئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية، بالاقتراح الأميركي الجديد. وقال ناطق باسمه: “إنها نقطة انطلاق إيجابية، لتعزيز عملية السلام ومحادثات السلام. لا نعتبر الاقتراح انتكاسة أو خطوة لزعزعة استقرار البلاد. إنها خطوة إلى الأمام”.

وأشارت “واشنطن بوست” إلى أن عبدالله وخصوماً سياسيين آخرين لحكومة غني، هم الأكثر استفادة من تشكيل حكومة مؤقتة، وهذا أحد العناصر الأساسية في مسوّدة الخطة الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى