جرائم خطف واغتصاب واحتجاز واتّجار بالبشر… تقرير دولي وشهادات تفضح حكومة السراج

أكثر من 4800 لاجئ ومهاجر محتجز داخل مراكز في طرابلس

كان القبطان الروسي فلاديمير تيكوشيف يبحر بالسفينة “تشيمترون” مع اثنين من البحارة في المياه الدولية قبالة سواحل ليبيا، في يونيو عام 2016، قبل أن تقترب منهم زوارق سريعة يستقلها مسلحون، ليدرك الرجل حينها أنه وقع للتو في يد قراصنة. لكن ما حدث بعد ذلك كان مفاجئة، كلفت البحارة الروس 3 سنوات من أعمارهم.

“توجهت مجموعة من الرجال المسلحين إلى سفينتنا على متن زوارق سريعة. صعدوا، وأخرجوا الطاقم بالكامل، ووضعوا الجميع على سطح السفينة تحت تهديد السلاح. وتمت مصادرة كل ما لدينا: الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر والمال”.

“وبعد ذلك تم وضع جميع أفراد الطاقم على متن قوارب ونقلوا إلى جهة مجهولة، وعندها فقط أدركنا أن الرجال الذين يحملون البنادق يمثلون الحكومة الليبية”، حسبما قال تيكوشيف لشبكة “سي إيه جي” المعنية بشؤون اللاجئين.

أما المفاجأة الثانية، فهي أن عملية الاستيلاء على السفينة واختطاف طاقمها جرت في المياه الدولية، أي في منطقة خارج سلطة الحكومة الليبية، ولا يمكن لها أن تحتجز أي شخص فيها.

قضى البحارة الروس 3 سنوات في سجن في مطار معيتيقة تديره حكومة فايز السراج التي تسيطر على طرابلس عبر ميليشيات مسلحة، وفي هذا السجن رأى تيكوشيف ومئات من المحتجزين صنوفا من العذاب.

وسجن معيتيقة هو مقر احتجاز غير رسمي في المطار الذي يحمل نفس الاسم، وتسيطر عليها ميليشيات المسلحة، ولا يسمح للمحامين ولا الدبلوماسيين ولا ممثلي المنظمات الدولية بزيارته.

وهناك، وجد البحار الروسي نفسه أمام عصابات تطلب فدية قدرها مليون دولار أميركي مقابل إطلاق سراحه ورفيقيه: “كما فهمت فهذا عمل مزدهر للقائمين على السجون هنا. لقد تم لقبض علينا حقا من قبل قطاع الطرق”.

وبما أن السجن يقع تحت سيطرة حكومة طرابلس، فإن كل الممارسات التي تحدث بداخله مرخصة من جانب السلطات، وبالتالي فقد تمت الموافقة على أنشطة هؤلاء اللصوص من قبل السلطات الرسمية.

وفي السجن، جرى وضع الروس في زنزانة تبلغ مساحتها 12 مترا مربعا، وتستقبل هذه الزنزانة عادة نحو 27 سجينا، وفي بعض الأحيان تكتظ بعدد أكبر.

وبينما لا يوجد من الفرش سوى غطاءين اثنين فقط، فكان يتعين على السجناء النوم على الأرض دون فرش أو غطاء.

وهذا بالتأكيد أفضل حالا من زنازين الحبس الانفرادي داخل هذا السجن، حيث لا يتعدى مساحة الزنزانة 1.3 مترا مربعا ولا يزيد ارتفاعها عن 1.2 مترا، وهذا يعني بكل بساطة أن السجين لا يستطيع الوقوف ولا حتى مد قدميه، حيث لا بد أن يجلس على الأرض منكمشا.

أما التواصل مع العالم الخارجي، فقد اقتصر فقط على رؤية وجه السجان، الذي يأتي ليلقي الطعام إلى المحتجزين، بينما يسمعون أقرانهم في الزنازين المجاورة وهم يتعرضون للتعذيب، منتظرين دورهم القادم لا محالة.

وبحسب تيكوشيف، كان هناك العديد من الأجانب بين السجناء بدون سبب، فقد رأى رجل أعمال فرنسيا إيطاليا كان يحاول تدشين مشروع استثماري في ليبيا، قبل أن يختطفه مجهولون ويأتوا به إلى السجن حيث مكث ثلاث سنوات، تعرض فيهم للضرب بشكل دوري وأصيب بمرض السل.

وبدا أن عملية احتجاز الأجانب باتت عرفا في طرابلس، فحين قامت طائرة تابعة لشركة “لوفتهانزا” بهبوط اضطراري في طرابلس، تم إرسال جميع ركابها إلى السجن، وكنا عليهم أن يمروا بكل الرعب الذي عانى منه السجناء المحليون.

وقصة البحارة الروس والمحتجزين الأجانب لم تكن سوى ملمحا خفيفا لواقع أشد قسوة، يعيشه القابعون في مراكز الاحتجاز التي تديرها ميليشيات طرابلس.

فقد كشف تقرير للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتيريش أمام مجلس الأمن الدولي في 26 أغسطس 2019، الظروف المأساوية التي يعيش فيها المهاجرون المحتجزون في مراكز اعتقال غير قانونية تحت سلطة حكومة السراج.

وبحسب التقرير الذي رفعته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، “ظل المهاجرون واللاجئون يتعرضون للحرمان من الحرية والاحتجاز التعسفي في أماكن احتجاز رسمية وغير رسمية، وإلى التعذيب، بما في ذلك العنف الجنسي، والاختطاف للحصول على فدية، والابتزاز، والعمل القسري، والقتل غير المشروع”.

وظل المهاجرون يحتجزون في أماكن مكتظة وظروف لا إنسانية ومهينة، ويعانون نقص الغذاء والماء والرعاية الطبية، في ظروف سيئة جدا من حيث النظافة الصحية”.

ويذكر تقرير الأمم المتحدة صراحة تورط مسؤولين حكوميين في هذه الانتهاكات، بالقول: “كان من بين مرتكبي الانتهاكات مسئولون حكوميون وأفراد ينتمون إلى جماعات مسلحة ومهربون ومتاجرون بالبشر وأفراد في عصابات إجرامية”.

وبحسب التقرير، استمر وقوع حوادث العنف واستخدام القوة الفتاكة ضد المهاجرين المحتجزين، وذلك بعد احتجاجاتهم على ظروف احتجازهم، ورصدت بعثة الدعم تقارير أفادت بوقوع حوادث مميتة في مراكز الاحتجاز الرسمية في طريق السكة وقصر بن غشير والزاوية وسبها.

ويؤكد تقرير الأمين العام أن استمرار “نقل المهاجرين الذين جرى إنقاذهم أو اعتراض قواربهم من جانب خفر السواحل الليبية إلى مراكز احتجاز غير رسمية في الخمس يثير شواغل كثيرة، ولم يتسن في وقت لاحق العثور على المئات من المهاجرين الذين أفيد بأنهم أرسلوا إلى مراكز الاحتجاز، ويعتقد أنه قد جرى الاتجار بهم أو بيعهم للمهربين، في حين اختفى آخرون وهم في طريقهم إلى سوق الخميس المجاورة”.

والثلاثاء، اختتمت نائبة المفوض السامي لشؤون اللاجئين كيلي كليمنتس، زيارة استغرقت يومين إلى طرابلس، حيث تحدثت إلى لاجئين من إريتريا والصومال والسودان وإثيوبيا، الذين أعربوا عن إحباطهم إزاء الظروف القاسية في الاحتجاز.

وهناك أكثر من 4800 لاجئ ومهاجر محتجز داخل مراكز احتجاز في طرابلس، بحسب كليمنتس، حيث “يعاني هؤلاء سوء المعاملة على أيدي المهربين، وفترات طويلة من الاحتجاز”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى