غوتيريش يدعو لتصحيح الأخطاء التاريخية في الهيكل المالي لصندوق النقد والبنك الدوليين

في موقف لافت، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إلى إجراء تغييرات كبيرة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي،  لتصحيح ما وصفه ب”الأخطاء التاريخية والتحيز والظلم المتأصل في الهيكل المالي الدولي الحالي”.

وقال غوتيريش إن صندوق النقد الدولي أفاد الدول الغنية بدلاً من الدول الفقيرة، ووصف استجابة الصندوق والبنك الدولي لجائحة كورونا بأنها “فشل صارخ” ترك عشرات الدول مثقلة بالديون.

وبحسب وكالة “أسوشيتد برس”، لم تكن انتقادات غوتيريش، التي وردت في ورقة بحثية حديثة، هي المرة الأولى التي يدعو فيها إلى إصلاح المؤسسات المالية العالمية، لكن تحليله هو الأكثر تعمقاً لمشاكلها، في ضوء استجابتها للجائحة، والذي وصفه بأنه “اختبار إجهاد” للمنظمات.

وتأتي تصريحات غوتيريش قبل اجتماعات دعا إليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس يومي الخميس والجمعة لمعالجة إصلاحات بنوك التنمية متعددة الأطراف وقضايا أخرى.

احباط من الهيمنة الأميركية

ولم يعلق صندوق النقد الدولي ولا البنك الدولي مباشرةً على انتقادات الأمين العام ومقترحاته.

وتردد تعليقات غوتيريش صدى آراء منتقدين آخرين يرون أن قيادة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي محصورة في الدول القوية التي تسيطر عليهما، وهو وضع مشابه لوضع الأمم المتحدة، التي واجهت دعواتها الخاصة للإصلاح.

وقال أستاذ السياسة العامة في جامعة جورج ميسون، موريس كوجلر، لوكالة “أسوشيتد برس”، إن فشل المؤسستين في مساعدة الدول الأكثر احتياجاً “يعكس استمرار النهج الذي يكون فيه رئيس البنك الدولي مواطناً أميركياً يعينه الرئيس الأميركي، والمدير الإداري لصندوق النقد الدولي مواطن من الاتحاد الأوروبي تعينه المفوضية الأوروبية”.

وذكر مدير شؤون الأمم المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية ريتشارد جوان أن هناك إحباطاً كبيراً من هيمنة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين على عملية صنع القرار، تاركين الدول الإفريقية مع “شريحة من حقوق التصويت” فقط. وقال إن الدول النامية تشكو من أن قواعد الإقراض الخاصة غير مواتية لها.

وأضاف جوان: “للإنصاف، كان البنك يحاول تحديث إجراءات التمويل الخاصة به لمعالجة هذه المخاوف، لكنه لم يذهب بعيداً بما يكفي لإرضاء دول الجنوب العالمي”.

وقال غوتيريش إن الوقت قد حان لمجلسي إدارة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتصحيح ما أسماه “الأخطاء التاريخية والتحيز والظلم المتأصل في الهيكل المالي الدولي الحالي”. وقد أنشئ هذا “الهيكل” عندما كانت العديد من الدول النامية لا تزال تحت الحكم الاستعماري.

لحظة بريتون وودز

وتأتي تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة تكراراً للدعوة التي أطلقها في وقت سابق العام الجاري من أجل “لحظة بريتون وودز جديدة”، في إشارة إلى  إصلاح مؤسسات بريتون وودز المالية التي تشمل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لكي تضمن تمثيلاً أكبر للدول النامية.

وتم إنشاء صندوق النقد الدولي وما يعرف الآن باسم مجموعة البنك الدولي في مؤتمر عقد في “بريتون وودز” بولاية نيو هامبشاير الأميركية، في يوليو 1944 ليكونا مؤسستين رئيسيتين للنظام النقدي الدولي بعد الحرب.

وكان على صندوق النقد الدولي مراقبة أسعار الصرف وإقراض العملات الاحتياطية للبلدان التي تعاني من عجز في ميزان المدفوعات، ويقدم البنك الدولي المساعدة المالية للتعمير بعد الحرب ولبناء اقتصادات الدول الأقل نمواً.

نموذج إفريقيا

وذكر غوتيريش في ورقته البحثية الجديدة إن المؤسستين لم تواكبا النمو العالمي. وأضاف أن البنك الدولي لديه 22 مليار دولار من رأس المال المدفوع، وهي الأموال المستخدمة في القروض منخفضة الفائدة والمنح لبرامج التنمية الحكومية. ويقل هذا عن خمس مستوى التمويل لعام 1960، كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وفي الوقت نفسه، تعاني العديد من الدول النامية من أزمة مالية عميقة، تفاقمت بسبب التضخم وارتفاع أسعار الفائدة وتجميد تخفيف عبء الديون.

وقال غوتيريش: “تضطر بعض الحكومات إلى الاختيار بين سداد الديون أو التخلف عن السداد من أجل دفع رواتب العاملين في القطاع العام، مما قد يؤدي إلى تدمير تصنيفها الائتماني لسنوات قادمة”، مضيفاً أن “إفريقيا تنفق الآن على تكاليف خدمة الديون أكثر مما تنفقه على الرعاية الصحية”.

محاباة الدول الغنية

وأوضح أن قواعد صندوق النقد الدولي تحابي الدول الغنية بشكل غير عادل. فخلال الجائحة، تلقت دول مجموعة السبع الغنية، التي يبلغ عدد سكانها 772 مليون نسمة، ما يعادل 280 مليار دولار من صندوق النقد الدولي بينما تم تخصيص ما يزيد قليلاً عن 8 مليارات دولار لأقل البلدان نمواً، التي يبلغ عدد سكانها 1.1 مليار نسمة.

وتابع غوتيريش: “تم ذلك وفقاً للقواعد. هذا خطأ أخلاقي”.

تمثيل البلدان النامية

ودعا إلى إجراء إصلاحات رئيسية من شأنها تعزيز تمثيل الدول النامية في مجلسي إدارة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ومساعدة الدول على إعادة هيكلة الديون، وتغيير حصص صندوق النقد الدولي، وتجديد استخدام أموال صندوق النقد الدولي.

وحض الأمين العام للأم المتحدة على زيادة التمويل من أجل التنمية الاقتصادية ومعالجة تأثير تغير المناخ.

وسئلت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي جولي كوزاك عن مقترحات غوتيريش، في مؤتمر صحافي عقد في 8 يونيو، فقالت: “لست في وضع يسمح لي بالتعليق على أي من التفاصيل”.

وأضافت أن مراجعة حصص صندوق النقد الدولي تمثل أولوية ومن المتوقع أن تكتمل بحلول 15 ديسمبر.

وفي رد مكتوب على استفسار من وكالة أسوشيتد برس، قال صندوق النقد الدولي إنه قام باستجابة “غير مسبوقة” لأكبر طلب على الإطلاق من الدول للمساعدة في التعامل مع الصدمات الأخيرة.

وبعد تفشي الجائحة، وافق صندوق النقد الدولي على تمويل بقيمة 306 مليارات دولار لـ 96 بلداً، بما في ذلك قروض بأقل من سعر السوق إلى 57 بلداً منخفض الدخل.

كما زاد من الإقراض بدون فوائد أربعة أضعاف إلى 24 مليار دولار وقدم حوالي 964 مليون دولار في شكل منح إلى 31 من أكثر الدول ضعفاً بين أبريل 2020 و 2022 حتى تتمكن من خدمة ديونها.

وقالت مجموعة البنك الدولي، في يناير، إن مساهميها بدأوا عملية “لمعالجة حجم التنمية بشكل أفضل”.

وأضافت لجنة التنمية في البنك، خلال تقرير صدر في مارس، أن البنك “يجب أن يتطور استجابة للالتقاء غير المسبوق للأزمات العالمية التي قلبت تقدم التنمية رأساً على عقب وتهدد الناس والكوكب”.

وبينما يتحدث غوتيريش وسفراء الأمم المتحدة عن إصلاح المؤسسات المالية، فإن أي تغييرات متروكة لمجالس إدارتها.

وأشار جوان إلى أنه عندما هندست إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما إصلاحاً لحقوق التصويت في صندوق النقد الدولي في عام 2010، “استغرق الكونغرس 5 سنوات للتصديق على الاتفاق، وأصبح الكونغرس أكثر انقساماً واختلالاً وظيفياً الآن”.

الاعتماد على بكين

وقال جوان: “لكن الحكومات الغربية تدرك أن الصين مقرض مهيمن بشكل متزايد في العديد من الدول النامية، لذلك لدى تلك الحكومات مصلحة في إصلاح صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بطرق تمنع الدول الفقيرة من الاعتماد على بكين للحصول على قروض”.

وإلى جانب اجتماع باريس، سوف يستمر النقاش حول إصلاحات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في سبتمبر خلال قمة لقادة مجموعة العشرين في نيودلهي، وفي التجمع السنوي لقادة العالم في الأمم المتحدة.

وتأتي مساعي غوتيريش لإصلاح صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في الوقت الذي تواجه فيه الأمم المتحدة أيضاً مطالب بإصلاح هيكلها الذي لا يزال يعكس النظام العالمي لما بعد الحرب العالمية الثانية.

وقال ريتشارد جوان، مدير شؤون الأمم المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية، إن العديد من سفراء الأمم المتحدة يعتقدون أنه قد يكون من “الأسهل بشكل هامشي” وأكثر فائدة للدول النامية إصلاح صندوق النقد والبنك الدوليين من إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي نوقش منذ أكثر من 40 عاماً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى