وفاة إبراهيم منير القائم بأعمال المرشد العام للتنظيم الإخونجية

الوفاة تؤسس لمرحلة جديدة من الصراع الإخونجي

أعلن اليوم الجمعة، خبر وفاة إبراهيم منير القائم بأعمال المرشد العام للتنظيم الإخونجية، عن عمر ناهز 85 عاما، في العاصمة البريطانية لندن.

ويعتبر منير أحد قطبي الانشقاق داخل التنظيم الإخونجي المحظور، حيث كان يقود “جبهة لندن” في مواجهة “جبهة إسطنبول” بزعامة محمود حسين.

حُكم على إبراهيم منير بالأشغال الشاقة لـ10 سنوات في قضية إحياء تنظيم الإخونجية عام 1965، وكان عمره وقتئذ 28 عاماً. وفي 26 يوليو 2012، أصدر الرئيس الإخواني المخلوع محمد مرسي عفوا عاما عنه.

وفي 12 يوليو 2022، أعلن تنظيم الإخونجية في بيان له إعفاء إبراهيم منير من عضوية التنظيم نتيجة “عدم الالتزام بقرارات مؤسسات الجماعة الشرعية وتشكيل كيانات موازية بعيداً عن هذه المؤسسات”، وذكر البيان أيضا 13 عضوا من أعضاء الشورى العام الذين شاركوا في هذا الانشقاق وتشكيل مجلس شورى موازي للمجلس الشرعي.

وتواصلت انشقاقات الإخونجية بصورة كبيرة، حيث قررت جبهة لندن بقيادة إبراهيم منير تشكيل هيئة عليا تكون بديلة لمكتب الإرشاد التابع لجبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين.

مواجهة جبهة إسطنبول

وقام إبراهيم منير بتشكيل الهيئة في إطار مواجهة جبهة محمود حسين، التي تتمسك بمواقعها التنظيمية كأعضاء سابقين في مكتب الإرشاد.

وكانت مصادر عليمة قد كشفت فشل 4 مبادرات للصلح بين الجبهتين المتصارعتين، بسبب تمسك كل جبهة بمطالبها التي تراها الجبهة الأخرى تهميشا لها.

ارتباك يضرب التنظيم

بوفاة إبراهيم منير يدخل تنظيم الإخونجية في مرحلة جديدة، قد تكتب شهادة انهيار تنظيم دخل منذ فترة مرحلة تشظٍ وثقت أسوأ فصول وجوده.

ارتباك يضرب التنظيم عقب الوفاة، يرى مراقبون أنها أسقطت كل المبررات اللائحية التي اتخذتها جبهته عندما نصبت “منير” قائمًا بعمل مرشد الإخونجية بعد إلقاء القبض على نائب المرشد محمود عزت، والقائم بعمل مرشد التنظيم قبل سنوات.

استند منير إلى عدة نصوص لائحية وفق ما سمحت له اللائحة الداخلية للتنظيم بأن يولي نفسه منصب القائم بعمل مرشد الإخونجية، حيث تم اختياره نائبًا للمرشد في عهد المرشد قبل الأخير، محمد مهدي عاكف، وهو ما أعطاه قوة في التنافس على المنصب.

وفاة منير تعزز الصراع الإخونجي

تم اختيار منير نائبًا للمرشد في وقت سابق، حيث اعتاد التنظيم أن تختار عددًا من النواب للمرشد بصورة رمزية أولًا لإرضاء إخونجية الخارج من ناحية ولاستخدام هؤلاء النواب في إحياء نشاط التنظيم إذا تمت مواجهتها من قبل السلطات في مصر.

اختيار أعطى قوة لمنير في صراعه مع الجبهة المناوئة له، وقد يكون ذلك سبب ضعف جبهته في صراعها مع جبهة محمود حسين، فما كان مصدر قوة في الماضي سيكون مصدر ضعف في المستقبل.

كما اعتمد عليه محمود عزت ومحمد بديع، مرشد الإخونجية قبل أن يتم إلقاء القبض عليهما في تسيير شؤون التنظيم في الخارج، حيث بات هو الرجل الأول تنظيميًا ولائحيًا، والأقرب لتولي شأن التنظيم بعد وفاة جمعة أمين، نائب المرشد في لندن قبل سنوات، وإلقاء القبض على محمود عزت من قبل السلطات الأمنية في مصر.

وفاة “منير” ستضعف جبهته، خاصة أنها تعتبر نفسها الممثل الرئيسي للإخونجية، بينما اعتبرت الجبهة الأخرى التي يتولاها محمود حسين ومصطفى طلبه بأنها أعفت نفسها من التنظيم تمامًا، وهنا يمكن القول إن وفاة منير لن تؤثر بحال من الأحوال على الصراع الدائر بين الجبهتين، بل ستعززه.

انهيارات بنيوية

المتوقع أن وفاة “منير” ستؤدي إلى مزيد من الانقسام في جبهته، بحيث لا يُصبح الصراع بين 3 جبهات فقط، هي جبهة إبرهيم منير وجبهة محمود حسين والجبهة الثالثة التي عرفت باسم المكتب العام، وإنما سيحدث انقسام داخل جبهة إبراهيم منير نفسها، وهنا سينقسم المقسم ويتجزأ المجزأ داخل التنظيم.

وهنا يمكن القول إن وفاة منير ستكون بمثابة نقطة فارقة في الصراع الدائر داخل التنظيم بين الجبهات المنقسمة، وسيكون ذلك لصالح جبهة محمود حسين، خاصة أن “منير” لم يترك إلا شخصية ضعيفة لخلافته قد لا تكون قادرة على استكمال الصراع.

من السمات الشخصية التي كان يتمتع بها إبراهيم منير، أنه كان ماكرًا ويتمتع بقدر من الدهاء فضلًا عن شخصيته الكاريزماتية، وهو ما قد يفتقده خلفاؤه، وهنا سيكون هؤلاء الخلفاء الحلقة الأضعف في الصراع، وهو ما قد يحسمه لصالح محمود حسين من جانب ويؤدي إلى انقسام جبهة إبراهيم منير على نفسها من جانب آخر.

تعزز الانقسام

من المتوقع أن يعاني تنظيم الإخونجية من انهيارات بنيوية على خلفية وفاة الرجل الأول في التنظيم، فضلًا عن أن هذه الوفاة ستُعزز حالة الانقسام بصورة أكبر ليس داخل جبهة إبراهيم منير وإنما داخل الجبهة المناوئة له والمعروفة بجبهة محمود حسين، والتي تبحث هي الأخرى عن أي هدف تحرزه بمرمى خصمها.

وستظهر دواعي الخلاف ومقدماته بعد ساعات من إعلان الوفاة وربما قبل أن يسجى جسد منير، فمن المتوقع أن تُصدر جبهة محمود حسين بيان نعي تؤكد فيه حسم الصراع لصالحها قبل أن تعلن فيه وفاة الرجل الذي سبق أن أعفته من التنظيم، وهو ما قد يثير حالة من الاحتقان داخل الجبهات المتصارعة، لأنه سيفهم على أنه تشف في الرجل.

كما أن هناك سيناريو آخر، وهو أن جبهة محمود حسين تتجاهل نبأ وفاة إبراهيم منير، وهو احتمال ضعيف، فقد يصدر بيان النعي في نفس يوم الوفاة أو بعدها بيومين أو عدة أيام، وهو ما ستعتبره الجبهة المناوئة تجاوزا في حق جبهة إبراهيم منير، وتجاوزا لتاريخ الرجل النضالي وانتمائه للتنظيم المبكر وما بذله من عطاء لصالح التنظيم.

وفي كل الأحوال، فإن المعركة بين الجبهتين ستبدأ سواء مع نعي جبهة محمود حسين أو في تجاهل نعي الرجل وعدم حضور جنازته، فالصراع الحقيقي بين الجبهتين سيطفو إلى السطح أكثر بعد وفاة “منير” ما قد يكتب شهادة انهيار الجماعة.

المرشخ لمنصب منير

هناك توقع بأن محمود حسين سيحسم الصراع لصالحه بعد أن ينضم إليه عدد لا محدود من أعضاء التنظيم ممن كانوا يقفون في منطقة وسط بالصراع، عندما يرون أن الكفة سوف تميل لصالحه.

ونفس الأمر سيحدث بالنسبة لبعض الدول التي تدعم تنظيمات الإسلام السياسي في العموم والإخونجية على وجه الخصوص، حيث تقوم بتقديم الدعم لجبهة محمود حسين، وهنا ترى هذه الدول أن هذا الدعم لجبهة محمود حسين سينتشل التنظيم من متاهات الانقسام الذي ضربه قبل أكثر من عامين.

كل المؤشرات تؤكد أن محيي الدين الزايط، نائب إبراهيم منير، سيتولى التنظيم بعد الوفاة مباشرة، وبالتالي تؤول كل صلاحيات “منير” إليه، وبغض النظر عن المخالفة اللائحية في ذلك، فإن الزايط ليس بقوة محمود حسين ولا كاريزما منير الذي خلفه في المنصب.

كما أن محيي الدين الزايط، المصري الجنسية، كان عضوًا لمجلس شورى التنظيم، بينما كان محمود حسين، عضوًا لمكتب الإرشاد وأمين عام للتنظيم، وبالتالي الأخير كان يفوقه في الدرجة التنظيمية، وهنا لن يستطيع “الزايط” أن يصمت كثيرًا أمام جبهة محمود حسين، وهذا قد يصب في صالح “حسين”.

محمود حسين يمثل الدولة العميقة داخل التنظيم، ولذلك يبدو أنه تعامل بالمثل المصري القائل “اصبري على عدوك لحد ما الموت يجيله”، حيث قلل من نبرة انتقاده بل ابتعد عن انتقاده بالفترة الأخيرة عندما تناهت إليه الظروف الصحية التي يمر بها خصمه.

هناك حالة من الانتشاء بين “إخونجية مصر” الموالين لجبهة محمود حسين بسبب وفاة إبراهيم منير، حيث يُرددون بأن وفاة “منير” نهاية للصراع والانقسام وبداية صفحة جديدة للتنظيم يقودها إخونجية مصر بقيادة محمود حسين كما كان يحدث في السابق.

التبعية السابقة

وأفادت مصادر، أن جبهة محمود حسين ستُعلن عما قريب “حسين” قائمًا بأعمال المرشد بديلًا لمصطفى طلبة، خاصة أن الظروف باتت مواتية له.

كما علمت من مصادرها أن انخفاض نبرة جبهة محمود حسين في انتقاد الجبهة المناوئة له كان يحمل في طياته سيناريو إعلان “حسين” قائمًا بأعمال مرشد الإخونجية.

وقالت مصادر خاصة من داخل التنظيم إن جبهة محمود حسين ستعطي فرصة لكل من انحاز إلى جبهة إبراهيم منير حتى يتبرأ من التبعية السابقة ويُعلن ندمه على ذلك ويعود إلى أحضان التنظيم “الجديد” حتى يستطيع “حسين” تفكيك ما تبقى من جبهة “منير” المنهارة.

كما أضافت المصادر، أن ثمة اجتماعًا للهيئة الإدارية العليا للإخونجية منعقدًا الآن قبل أن يتم دفن إبراهيم منير، حيث تم تشكيل هذه الهيئة كي تكون بديلًا لمكتب الإرشاد، والتي تتكون من 13 عضوًا من أعضاء الشورى لترتيب الأوضاع وعدد من ملفات التنظيم.

تبادل الأدوار

 الخبير البارز في شؤون حركات الإسلام السياسي، الدكتور هشام النجار، يرى أن تنظيم الإخونجية بكل أجنحته سيتأثر سلبا، وسيخسر كثيرا بوفاة منير.

وأكد النجار، أن جبهة محمود حسين والكماليين (تيار التغيير) لن يستغنوا عن جبهة يستثمرون سياسيا من خلالها مواقفهم الحادة وعنفهم وتحريضهم.

وقال النجار إنه ربما تشكل وفاة منير ظاهريا مكسبا للجبهات الأخرى المنافسة (جبهتي محمود حسين والكماليين أو تيار التغيير)، لكن في واقع الحال يعد التنظيم برمته خاسراً بالنظر لوزن إبراهيم منير التنظيمي، وأهميته في سياق نشاطات التنظيم الدولي للإخونجية.

وأوضح أن منير بعلاقاته مع شخصيات وأجهزة غربية، وهذا كان يفيد مجمل كيان التنظيم ويمنحه القدرة على الصمود والاستمرار بصرف النظر عن الخلافات الموجودة داخل التنظيم.

ونبه الخبير السياسي المصري إلى أنه “خلافا للصورة الظاهرة الطافية على السطح بشأن الخلافات والصراعات بين جبهات داخل تنظيم الإخونجية على القيادة والنفوذ والثروة والتمويل، إلا أن هناك تبادلا للأدوار وتلاقيا للمصالح بين الجبهات الثلاث”.

ولفت إلى أن “جبهة إبراهيم منير تستفيد من الإخونجية في تركيا، وحتى من الكماليين بالنظر لحاجتها لأدوات ضغط تروج للهجة حادة وخطاب تحريضي مباشر، ما يتيح لجبهة لندن الترويج لنفسها أنها معتدلة وتقبل بالتنازلات، وهو ما يفتح مجالا لتعويمها وانخراطها مجددا في المشهد”.

وأيضا تستفيد الجبهات الأخرى من احتياجها لشخصية إبراهيم منير لاستثمار ضغطها التحريضي في صورة صيغ سياسية مراوغة، وفق الخبير.

وخلص الخبير السياسي إلى أنه بوفاة منير، فإن التنظيم بكل جبهاته خاسرة، وستتأثر سلبا حتى جبهة محمود حسين والكماليين؛ لأنهم لن يستغنوا عن جبهة يستثمرون سياسيا من خلالها مواقفهم الحادة وعنفهم وتحريضهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى