تونس: الغنوشي على طريق العزلة والعزل

مصادر تتحدث عن فشل وساطات حل الأزمة بين أقطاب السلطة في البلاد

أفادت مصادر سياسية تونسية بفشل الوساطات الرامية إلى حل الأزمة بين أقطاب السلطة في تونس، حيث انقضت أمس آجال دعوة الرئيس التونسي قيس سعيد الوزراء بغية أداء اليمين الدستورية أمامه ليُصدر بعد ذلك مراسيم رئاسية تمكنهم من مباشرة مهامهم.

وفيما كانت الأوساط السياسية في البلاد تترقب أن تنجح إحدى الوساطات المحلية التي أطلقتها شخصيات وطنية مستقلة لانتشال البلاد من أزمتها، أكد الرئيس سعيد الأربعاء على تشبثه بموقفه الرافض لأداء الوزراء الذين تحوم حولهم شبهات فساد أو تضارب مصالح اليمين أمامه، وذلك خلال لقائه الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، المركزية النقابية في البلاد، نورالدين الطبوبي.

وأضاف سعيد أنه “بقدر ما يكبر في الاتحاد دوره الوطني، بقدر ما يتشبث بالمبادئ والاختيارات التي تعهد بها أمام الشعب، وأنه إن كان هناك حوار لحل هذه الأزمة فيجب أن يكون في ظل هذه المبادئ الواضحة والاختيارات التي لا لبس فيها”.

وفي ظل تشبث سعيد بموقفه ستجد البلاد نفسها أمام مأزق دستوري وسياسي يعمق أزمة الغنوشي والمشيشي، خاصة أن الحكومة التي بدت حركة النهضة الإخونجية ورئيسها من أبرز المدافعين الشرسين عنها بدأت تواجه معارضة شعبية واسعة، علاوة على المواجهة التي تنتظرها مع اتحاد الشغل الذي صعّد من لهجته إزاءها.

ووصل الأمر بالأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، إلى القول الثلاثاء إن “هناك عصابة كاملة تُحيط برئيس الحكومة وتُشير عليه بالمصطلحات لاستعطاف ائتلاف الشر وغيره”، وذلك في إشارة إلى ائتلاف الكرامة المثير للجدل، حليف حركة النهضة الإخونجية وحزب قلب تونس، الذي يُشكل معهما الحزام السياسي والبرلماني للمشيشي.

وتتسارع التطورات السياسية في تونس على وقع التعديل الوزاري الذي أجراه رئيس الحكومة، هشام المشيشي، والذي يرفضه الرئيس التونسي قيس سعيد، ما زاد من عزلة حركة النهضة الإخونجية ويمهد لعزل رئيسها راشد الغنوشي عن رئاسة البرلمان أيضًا والمشيشي على حد سواء، وذلك وسط تحركات تنبئ بإعادة خلط الأوراق من جديد في المشهد السياسي التونسي المنقسم.

ويقول المحلل السياسي، خليل الرقيق، إن “الغنوشي يعيش عزلة حقيقية تعبر عنها تصريحاته الأخيرة اليائسة والمتخبطة والخارجة عن السياق الدستوري (…)، فهو يتحدث عن النظام البرلماني الكامل الذي لا يستقيم دستوريا وحتى بمنطق الغالبية لا يملك الغنوشي وحزبه الثلثين في البرلمان من أجل تعديل النظام وأصلا لا توجد محكمة دستورية لإتمام ذلك”.

وأضاف الرقيق في تصريح لوسائل الإعلام أن “هذه العزلة التي يعيشها الغنوشي ترجمتها أزمة التعديل الحكومي وأزمة اليمين الدستورية (…)، كل أساتذة القانون الدستوري يقولون إن سلطة رئيس الجمهورية تقريرية وليست تقديرية في هذا الصدد، بمعنى أن عدم أداء الوزراء لليمين الدستورية يعني عدم مباشرة هؤلاء لمهامهم (…)، نحن اليوم في وضعية اللاحكومة”.

وكانت عدة أطراف قد قامت بوساطات من أجل تقريب وجهات النظر بين الرئيس قيس سعيد والغنوشي يبدو أنها باءت جميعها بالفشل إثر رفض سعيد دعوة هؤلاء الوزراء إلى أداء اليمين الدستورية.

وتداولت الكثير من الأوساط السياسية نهاية الأسبوع الماضي أنباء مفادها وجود وساطات أجنبية، ما أثار حفيظة بعض الشخصيات الأخرى التي رأت أن هذه التدخلات قد تؤزم المشهد وتفضي إلى فشل المبادرات والوساطات التي أطلقتها شخصيات مستقلة.

وقال رئيس الهيئة السياسية لحزب الأمل، أحمد نجيب الشابي، إنه “من المؤسف أن هناك أنباء عن تدخلات خارجية لحل الأزمة بين الرئاسات الثلاث (…)، إنه مؤشر خطير وظاهرة لم تعرفها تونس أبدا، وهو دليل على أن أزمتنا بدأت تتعمق”.

إضافة إلى ذلك تزايدت وتيرة الاحتجاجات على إدارة الغنوشي للبرلمان، وترجمها نواب مستقلون بتقديم لائحة جديدة من أجل سحب الثقة منه، وهي ليست اللائحة الأولى التي يواجهها رئيس حركة النهضة منذ توليه رئاسة المجلس النيابي سنة 2019.

أما النائب البرلماني منجي الرحوي فقد قال إن هناك “نوابا بدأوا التحرك من أجل استكمال الإمضاءات اللازمة لوضع اللائحة على أنظار مكتب البرلمان لتحديد جلسة عامة والتصويت على سحب الثقة من الغنوشي الذي فقّر الشعب التونسي ودمر مؤسساته الحكومية”.

وأضاف الرحوي  أن “التحركات الآن تسير على قدم وساق، لقد أحرزنا تقدما لافتا من خلال الاتصال ببقية الكتل التي تعهدت بالالتزام بالإمضاء على العريضة والتصويت عليها ما عدا كتلتَيْ ائتلاف الكرامة والنهضة (…)، هذه اللائحة تأتي لأن الغنوشي يتحمل مسؤولية تدهور الأوضاع في البلاد وحالة الفوضى التي لا تنتهي في البرلمان وتطبيعه مع العنف بشكل فاضح، علاوة على إدراكنا أن البرلمان أصبح منصة من أجل خدمة أجندات الغنوشي الخاصة”.

وبحسب الفصل 51 من النظام الداخلي للبرلمان يحق للنواب سحب الثقة من رئيسهم أو أحد نائبيه بموافقة الغالبية المطلقة من النواب، وذلك بناء على طلب كتابي معلل يوقعه 73 نائبا، ويُقدم إلى مكتب المجلس لتحديد جلسة عامة للنظر في ذلك.

ويُحاول الغنوشي تحصين موقعه في رئاسة البرلمان من خلال إبرام تحالف مع كتلة كل من ائتلاف الكرامة وحزب قلب تونس الذي يقبع رئيسه نبيل القروي في السجن.

وفي هذا الصدد قال خليل الرقيق إن “المشكلة لا تكمن في الـ73 إمضاء، المطلوبة لإيداع لائحة سحب الثقة وتمريرها للجلسة العامة (…)، هذا ممكن في أي يوم، إنما تكمن في حشد الـ109 أصوات من أجل سحب الثقة من الغنوشي (…)، الغنوشي الذي بات يعيش عزلة حقيقية سواء نجحت العريضة أو فشلت”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى