التحذير من نفاذ كامل مخزون الغاز في أوروبا بحلول يناير القادم

أسعار الغاز تقفز بنسبة 24% والبلدان الأوروبية تلجأ لاستخدام احتياطيات الشتاء

وسط تحذيرات من نفاذ المخزون الأوروبي من الغاز بالكامل مع حلول يناير القادم، ارتفعت أسعار الغاز في أوروبا في الوقت الذي تشدد فيه موسكو كبح تدفقات الغاز الهامة إلى القارة، مجبرة الدول المستهلكة على مواجهة احتمالية استمرار اقتصاداتها بدون الغاز الروسي.

ويُجبِر خفض روسيا لإمداداتها من الغاز الطبيعي المرافق الأوروبية على استخدام احتياطياتها التي تُخصّص عادة للاستهلاك خلال ذروة موسم الشتاء.

أظهرت بيانات من “جمعية البنية التحتية للغاز في أوروبا” (Gas Infrastructure Europe) انخفاض مستويات التخزين هذا الأسبوع للمرة الأولى منذ منتصف أبريل، وهو الوقت الذي يبدأ فيه التجار عادةً تعبئة المرافق، في واحدة من أحدث العلامات على كيفية تصاعد أزمة الطاقة في المنطقة. ممّا يسهم في دفع العقود الآجلة للغاز نحو أكبر مكاسب أسبوعية لها منذ أن بدأ الكرملين عمليته الخاصة في أوكرانيا.

تعليقاً على الموضوع، قال وارن باترسون، رئيس إستراتيجية السلع في شركة “آي إن جي غروب” (ING Groep): “من الواضح أن هذا لا ينبغي أن يحدث في موسم تعبئة المرافق، وسيكون مقلقاً للسوق، ومن المرجح أن يحافظ على ارتفاع الأسعار”.

كمية أقل من الوقود

وفي الواقع، خفضت روسيا إمداداتها للعملاء في إيطاليا وألمانيا وفرنسا والنمسا، ممّا زاد من التخفيضات الصغيرة لدول أخرى في الأسابيع القليلة الماضية.

وقالت موسكو إنها اضطرت إلى الحد من طاقة الضخ عبر خطوط نورد ستريم تحت بحر البلطيق بسبب مشكلات فنية، إلا أن ألمانيا وصفت التخفيضات بأنها “ذات دوافع سياسية” تهدف إلى رفع الأسعار.

تتزامن التخفيضات التي أجرتها روسيا مع توقف الإنتاج في مصنع رئيسي للغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة، وهو مصدر مهم آخر للإمدادات الأوروبية. وهذا يعني أن كمية أقل من الوقود ستصل عبر المحيط الأطلسي لعدة أشهر.

وكانت مواقع التخزين في أوروبا ممتلئة بنسبة 52% اعتباراً من يوم الثلاثاء، حيث أظهرت أحدث بيانات “جمعية البنية التحتية للغاز في أوروبا” انخفاضاً بمقدار نقطة مئوية واحدة. ومع ذلك، فإنها ما تزال بالقرب من مستوى متوسط ​​5 سنوات.

في هذا الصدد، قال آرون تورا المحلل في “بلومبرغ إن إي إف” (BloombergNEF) في مذكرة له: “إن التحدي الأكبر الذي يواجه السوق هو تقييم تأثير التباطؤ الناتج في تعبئة المخازن”.

مخزون المنطقة قد ينفد بالكامل

من جانبها، قالت شركة التصدير الروسية “غازبروم” أمس الخميس إنها لا ترى حلاً “حتى الآن” لمشكلات نورد ستريم. ويُشار إلى أنه بوسع شركة “غازبروم” أن تستخدم الطاقة الاحتياطية في خطوط الأنابيب التي تعبر أوكرانيا لتزويد العملاء الأوروبيين، إلا أنها لم تختر ذلك حتى الآن. كما تمت جدولة الصيانة السنوية للخطوط الشهر المقبل أيضاً مما يعني استمرار تباطؤ الضخ.

في أسوأ السيناريوهات، حيث يتم إغلاق خطوط أنابيب نورد ستريم تماماً، ستفشل المنطقة في الوصول إلى مستويات المخزون التي طلبها الاتحاد الأوروبي بحلول بداية موسم التدفئة في نوفمبر، وفقاً لشركة “وود ماكينزي”، حيث قالت شركة الأبحاث هذا الأسبوع إن مخزون المنطقة قد ينفد بالكامل بحلول يناير.

فضلاً عن ذلك، تساءل هانز فان كليف، كبير اقتصاديي الطاقة في بنك “إيه بي إن أمرو “: “ما إذا كانت الصيانة السنوية لنورد ستريم ستعني توقفاً كاملاً لفترة أطول، أو ما إذا كانت ستُستأنف بعد ذلك مرة أخرى. وهذا ما سنعرفه مع مرور الوقت”.

ارتفعت أسعار الغاز في أوروبا في الوقت الذي تشدد فيه موسكو كبح تدفقات الغاز الهامة إلى القارة، مجبرة الدول المستهلكة على مواجهة احتمالية استمرار اقتصاداتها بدون الغاز الروسي.

ارتفعت العقود الآجلة المعيارية بنسبة تصل إلى 24%، لتضيف إلى الارتفاع الذي حصل هذا الأسبوع بنسبة 46%.

وينتشر قطع الإمدادات في جميع أنحاء أوروبا، حيث قالت شركات مثل “إنجي” (Engie)، و”يونيبر” (Uniper)، و”أو إم في” (OMV) إنها باتت تحصل على كميات أقل من الإمدادات. بينما وصفت ألمانيا التخفيضات عبر خط أنابيب “نورد ستريم” بأنها “ذات دوافع سياسية” وتهدف إلى زعزعة الأسواق، مشككة في بيان شركة “غازبروم” الذي أفاد بأن التوقف كان بسبب مشاكل فنية.

ضربة قوية للمنطقة

تخشى أوروبا منذ أشهر من قطع روسيا للإمدادات رداً على العقوبات التي استهدفت موسكو بعد عمليتها الخاصة في أوكرانيا. ومن الممكن أن تتسبب الأزمة الأخيرة بأضرار لصناعات رئيسية تمتد من الصناعات الكيماوية إلى مصانع الصلب، وهي ضربة قوية للمنطقة التي تعاني بالفعل من ارتفاع معدلات التضخم ونمو متراجع. ما يجعل تقنين الغاز احتمالاً حقيقياً.

يأتي تحرك موسكو في الوقت الذي وصل فيه المستشار الألماني، أولاف شولتس، والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي، إلى كييف يوم 16 يونيو، لإجراء محادثات مع الرئيس، فولوديمير زيلينسكي، في زيارة للبلاد بمستوى هو الأرفع منذ الغزو الروسي في نهاية فبراير.

من جهته، قال الكرملين يوم الخميس إن التخفيضات “لم تكن متعمدة”.

وكانت روسيا شددت قبضتها تدريجياً على أسواق الطاقة الأوروبية، وأوقفت شحنات الغاز إلى بولندا وبلغاريا وفنلندا بسبب الخلاف حول مطالب الرئيس فلاديمير بوتين دفع ثمن الوقود بالروبل. لكن الآن، باتت روسيا تقطع الغاز حتى عن الدول التي وجدت أساليب حل وقتية للحفاظ على تدفق الغاز الروسي.

من جهتها، أطلقت برلين بالفعل المرحلة الأولى من خطة طوارئ تتألف من ثلاث خطوات لضمان أمن الإمدادات، وقد تضطر إلى المضي قدماً بها إذا زاد تقليص الإمدادات. مع ذلك، قالت ألمانيا إنها تستطيع في الوقت الحالي تأمين إمدادات بديلة.

خفض الإمدادات

تم الإعلان عن خفض الإمدادات يوم الأربعاء 15 يونيو في أعقاب تخفيضات اليوم السابق، بعد أن أشارت “غازبروم” إلى مشكلات في إصلاح التوربينات التي تنتجها شركة “سيمنز”. وتركت العقوبات الغربية المفروضة على روسيا المعدات الرئيسية لتشغيل خط أنابيب الغاز “نورد ستريم” عالقة في الخارج.

ووفقاً للبيانات المشتركة، من المتوقع أن ينخفض الإمداد عبر خط الأنابيب إلى ما يقل عن 65 مليون متر مكعب يومياً يوم الخميس 16 يونيو. وبذلك يصل إجمالي التخفيضات عبر “نورد ستريم” إلى نحو 60%.

وفي سياق منفصل، اندلع حريق في ثاني أكبر حقول “غازبروم” المنتجة للغاز في غرب سيبيريا مساء 15 يونيو. إلا أن الوحدة الإقليمية للشركة قالت إن الحريق انطفأ ولم يؤثر على الإنتاج.

بينما تزيد الأزمة الأخيرة بين روسيا وأوروبا من أزمة الإمدادات التي نشأت بالفعل بسبب توقف الإنتاج في مرفق رئيسي لتصدير الغاز الطبيعي المسال في ولاية تكساس الأميركية – مصدر حيوي للإمداد لأوروبا – حيث ستبقى المنشأة مغلقة لفترة أطول مما كان متوقعاً في البداية في أعقاب حريق اندلع الأسبوع الماضي.

اقرأ أيضاً: أوروبا مهددة.. العقوبات تكبح عمل توربينات مشغلة لخط الغاز الروسي إلى ألمانيا

وتتزامن الأزمة كذلك مع موجة حرارة شديدة تجتاح أوروبا وتؤدي إلى زيادة الطلب على الغاز من أجل التبريد. فيما قد تضطر القارة، التي اعتمدت على الغاز الطبيعي المسال الأميركي لسد الفجوة الناتجة عن انخفاض التدفقات الروسية، إلى التنافس بشكل أكثر شراسة مع المشترين الآسيويين لتأمين الإمدادات الاحتياطية، حيث تندفع الدول لإعادة ملء مرافق التخزين قبل أن يبلغ الطلب ذروته مرة أخرى في الشتاء.

شتاء قاسٍ

من المحتمل أن يؤدي التأخر في ملء المخزونات إلى شتاء قاسٍ، خاصة إذا استمر كبح الإمدادات الروسية في ذلك الوقت. في هذا السياق، قال ماركو ألفيرا، الرئيس التنفيذي السابق لمشغّل الشبكة الإيطالية “سنام” (Snam) في مؤتمر يوم 16 يونيو: “أسعار الغاز ستبقى مرتفعة للغاية في الشتاء”، وأضاف: “أسعار الغاز الشتوية ستكون مرتفعة، وأسعار الطاقة الشتوية ستكون مرتفعة”.

وارتفعت عقود الغاز الهولندي المعياري لأقرب شهر – وهو المعيار الأوروبي – بنسبة 18% إلى 141.74 يورو لكل ميغاواط/ساعة، عند الساعة 12:20 مساءً في أمستردام. وارتفع المكافئ لها في المملكة المتحدة بنسبة 15%. كما ارتفعت أسعار الطاقة في ألمانيا لأقرب شهر بما يصل إلى 21%.

من جهة أخرى، فإن تخفيضات خط الأنابيب الروسي تغذي ارتفاعات الأسعار في آسيا أيضاً. إذ شهد الغاز الطبيعي المسال الآسيوي يوم الخميس 16 يونيو ارتفاعاً يفوق 30 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية للمرة الأولى منذ أبريل، وفقاً لمتداولين. ويعتبر هذا أعلى مستوى لهذا الوقت من العام، بينما كان قد قفز 50% تقريباً في الشهر الماضي.

ومن المرجّح أن تؤدي الاضطرابات الإضافية في تدفقات الغاز أو الغاز الطبيعي المسال إلى تضخيم تحركات الأسعار. ويقول رون سميث، كبير محللي النفط والغاز في “بي سي إس غلوبال ماركتس”: “إذا واجهنا انقطاع آخر مثل ما حدث في منشأة (فريبورت للغاز الطبيعي المسال) في الولايات المتحدة، فمن الممكن بسهولة أن تقفز الأسعار بنسبة 50% إضافية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى