برلمان للشعب أم حاضنة للتطرف والإرهاب في تونس؟

وضعت مجموعة من المنظمات والجمعيات والشخصيات التونسية عريضة للتوقيع موجّهة لرئيس الجمهورية قيس سعيّد ورئيس مجلس النواب راشد الغنوشي تدعو لمنع كل أشكال تمجيد الإرهاب، في وقت اتخذت فيه الخلافات السياسية بعدا تحريضيا خطيرا يعيد إلى الأذهان سيناريو الاغتيالات السياسية التي عرفتها تونس في فترة حكم حركة النهضة الإخونجية سنة 2013. وتضمنت العريضة طلبا موجها للنيابة العمومية لتطبيق القانون بكل حزم على مروّجي الخطاب التكفيري المساند للإرهاب مهما كان موقعهم، سواء كانوا فاعلين أصليين أو مساعدين على النشر في وسائل الإعلام.

واعتبرت أن مجلس النواب “أصبح مرتعا لدعاة التكفير ولمُبيّضي الإرهاب والمُمجّدين للدواعش، دون رقابة ولا ردع”، لافتة إلى أن من شأن مثل هذه التصريحات التشجيع على اقتراف المزيد من الجرائم الإرهابية.

ويقود ائتلاف الكرامة الإسلامي، المحسوب على حركة النهضة الإخونجية، خطابا تحريضيا داخل البرلمان ضد الخصوم السياسيين لعل أهمهم الحزب الدستوري الحر الذي تقوده عبير موسي.

وتتخوف منظمات وجمعيات تونسية من تنامي خطاب التكفير وتبييض الإرهاب داخل البرلمان التونسي دون رقيب ولا حسيب، بعد أن اتخذت الخلافات داخل المؤسسة التشريعية منحى خطيرا وصل إلى التحريض على تصفية الخصوم السياسيين.

ويثير عدم اتخاذ رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي لأي خطوات أو قرارات من شأنها إيقاف هذه الأجواء المشحونة، استغراب عدد من المراقبين الذين ذهبوا إلى القول بأن “الأطراف التكفيرية والتحريضية محمية من رئاسة المجلس” التي لم تحرك ساكنا سوى الاكتفاء ببيان تنديد كلما طلب منها التدخل.

ويرى متابعون للشأن التونسي أن ائتلاف الكرامة يقود “حربا بالوكالة” عن حركة النهضة في خصومتها مع الحزب الدستوري الحر المنتقد الأبرز لسياساتها وأجنداتها الحكومية والبرلمانية.

وتذهب أطراف أخرى الى حد اتهام التيار الإخونجي بتجنيد نواب وقيادات تاريخية محسوبة على حزب التجمع المنحل الذي تنحدر منه عبير موسي لمهاجمتها وتأليب الرأي العام ضدها.

ويؤكد هؤلاء أن النهضة تسعى من خلال هذه الأجندات إلى خلق شعور عام مناوئ للحزب الدستوري الحر وإعطاء الانطباع بأن رئيسته تستهدف كل الأطياف السياسية الممثلة في البرلمان بمن فيهم شركاءها في الفكر لا الإسلاميين بمفردهم.

والأسبوع الماضي، نشبت مناوشة حادة داخل البرلمان بين رئيس ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف ورئيسة الكتلة البرلمانية للحزب الدستوري الحر عبير موسي، بعد أن انتقد مخلوف قرار جامعة القيروان (وسط) رفض مطلب ترسيم الناطق الرسمي السابق باسم تنظيم أنصار الشريعة المحضور سيف الدين الرايس في مرحلة الدكتوراه.

واعتبر مخلوف هذا القرار تمييزيّا ويدخل في باب حرمان مواطن تونسي من مواصلة تعليمه وهو ما يتعارض مع ما جاء في دستور 2014، فيما قالت عبير موسي إن سيف الدين الرايس “إرهابي” ومتورط في عمليات إرهابية أودت بحياة عدد من الأمنيين وساندت قرار الجامعة برفض ترسميه.

وشغل الرايس منصب الناطق الرسمي باسم تنظيم أنصار الشريعة المحظور سنة 2013 وظهر مرارا إلى جانب قائد التنظيم سيف الله بن حسين المكنى بـ”أبي عياض” زمن حكم الترويكا.

وكان النائب عن ائتلاف الكرامة محمد العفاس قد أثار جدلا في تونس بعد كلمة في البرلمان قال فيها إنه “لا يجب الخجل من التكفير لأنه حكم شرعي” وذلك في معرض ردّه على مناوشة بين نواب كتلته ونواب الحزب الدستوري الحر.

وحمّلت رئيسة الحزب الحكومة التونسية ومؤسساتها “مسؤولية سلامتها الجسدية وسلامة بقية نواب كتلتها ومناضلي حزبها”، وذلك على خلفية التهديدات والتصنيفات التي صدرت عن نواب ائتلاف الكرامة، مؤكدة أنه تم المرور إلى “درجة أخرى من العنف السياسي” بعد أن تم في السابق الاعتداء على كتلتها في البرلمان، دون أن تحرك رئاسة البرلمان ساكنا.

وكانت الجلسة العامة بالبرلمان المخصصة لمناقشة تنقيحات القانون الانتخابي، قد شهدت تبادل اتهامات وجدلا حادّا بين نواب كتلة الدستوري الحر ونواب كتلة ائتلاف الكرامة، بسبب ما اعتبرته موسي “تكفيرا” و”تحريضا على الاغتيال”، بعد أن قال نائب ائتلاف الكرامة نضال السعودي “لقد تعودنا على هذا الكلام من أعداء الإسلام”، وقال زميله في الكتلة ذاتها محمد العفاس “لا نستحي من التكفير كحكم شرعي ورد في الإسلام”.

وقال مجدي بوذينة، النائب عن الحزب الدستوري الحر إن “دعوات التكفير وجدت صدى لدى أنصار ائتلاف الكرامة الذين اعتدوا على مقار للحزب وكتابة عبارة عدو الإسلام على جدرانها”.

وفي وقت سابق وصل الخطاب التحريضي إلى استقدام مجموعات إلى البرلمان، تعرف بقربها من ائتلاف الكرامة، حاولت الاعتداء على عبير موسي وأعضاء كتلتها في بهو البرلمان، حيث تم منعها من ذلك في اللحظة الأخيرة.

واستغربت أوساط سياسية حينها من كيفية وصول “مجموعات إجرامية” إلى بهو مجلس النواب رغم وجود حراسة أمنية، مطالبين رئاسة المجلس بفتح تحقيق في الغرض، لكن إلى اليوم لم يتم الإعلان عن نتائج التحقيق كما لم تتم متابعة هاته الأطراف قضائيا.

وقال رئيس كتلة الإصلاح بالبرلمان التونسي حسونة الناصفي، إن الخطاب الذي سمعه (في إشارة إلى نعت بعض النواب بأعداء الإسلام) يرتقي إلى مرتبة الجريمة. وحذر الناصفي من تبعات هذا الخطاب والرسائل التي يبعث بها، مشيرا إلى أن نتيجة الاستهانة بمثل هذه الخطابات كانت اغتيال كل من رئيس حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد شكري بلعيد ورئيس حزب التيار الشعبي محمد البراهمي في 2013.

وبتفاقم خطاب التحريض والكراهية وتبييض الإرهاب داخل مجلس الشعب، يخشى السياسيون كما التونسيون من انزلاق البلاد نحو موجة عنف جديدة شبيهة لما عرفته البلاد زمن حكم حركة النهضة الإخونجية في 2013، التي حملها عدد من الأحزاب السياسية حينها مسؤولية الاغتيالات السياسية بسبب تساهلها مع التكفيريين.

ويجرم الفصل السادس من الدستور التونسي التكفير والتحريض على العنف وينص على أن “الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، حامية للمقدسات، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي، ويحجّر التكفير والتحريض على العنف”.

 

تونس- الأوبزرفر العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى