مصير غامض ينتظر حكومة المشيشي غداً الثلاثاء

ارتفاع حدة الانقسامات الحزبية بشأن طبيعة الحكومة التونسية

رجحت مصادر سياسية وبرلمانية تونسية أن تكون جلسة منح الثقة للحكومة التونسية الجديدة عاصفة مع ارتفاع حدة الانقسامات الحزبية التي بلغت مستويات قياسية بشأن طبيعة الحكومة التونسية التي أعلنها المشيشي، وتقييم أعضائها، وأولويات برنامجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

ويُخيم الغموض على مصير حكومة هشام المشيشي التي ستُواجه غداً الثلاثاء تحدي اختبار منح الثقة لها خلال جلسة برلمانية عامة ستُعقد وسط جدل سياسي حاد عمقته التناقضات بين الأحزاب والكتل البرلمانية التونسية التي تنافرت مواقفها، وتباينت بشكل غير مسبوق.

وأعلن المشيشي الأسبوع الماضي عن تشكيلة حكومته بعد شهر من المشاورات، وتتألف من 28 عضوا، منهم 25 وزيرا، وثلاثة  كتاب دولة (مساعد وزير).

وخصص مجلس نواب الشعب “البرلمان”، عقد جلسة عامة في الأول من سبتمبر القادم لمناقشة منح الثقة للحكومة الجديدة، وذلك بأغلبية 109 أصوات من أصل 217.

واعتبر الباحث السياسي التونسي المحامي عبدالحميد بن مصباح أن الأمور ما زالت غامضة في ظل انتظار غالبية الكتلِ الدقائقَ الأخيرة لتحديد موقفها، وهي حالة لم يشهدها البرلمان التونسي على الرغم من أن ساعات ما زالت تفصلنا عن جلسة التصويت.

وعزا بن مصباح ذلك إلى تعقد الموقف، إذ أن منح الثقة أو حجبها يمران عبر معادلة تراعي الخوف من شبح حل البرلمان وفي الوقت نفسه الخوف من تحمل مسؤولية التصويت لحكومة مؤشرات فشلها تفوق مؤشرات نجاحها.

وقال المحامي التونسي: “إن الجميع تقريبا يُريد الحكومة، ولكن لا أحد يريد التصويت لها، بمعنى أن كل طرف يُريد ضربها على أن يكون الضرب بيد غير يده”، ما يعني أن مهمة المشيشي في الحصول على الـ109 أصوات الضرورية لتمرير حكومته، ستكون صعبة.

غير أن ذلك لا يحجب التقديرات الأخرى التي تدفع في مُجملها إلى أن الحكومة الجديدة ستمر في البرلمان باعتبارها حكومة “الأمر الواقع ” التي فرضها تخوّف عدّة أحزاب وكتل برلمانية من الذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها.

وترافقت تلك التقديرات مع ارتباك ملحوظ باتت تتسم به بعض المواقف السياسية وأملته التحركات التي وُصفت بـ”المُريبة” لحركة النهضة الإخونجية، أنتجت مخاوف من وجود تفاهمات خفية تشترك فيها بعض الأحزاب وستكون إطارا لمرحلة غير قصيرة ستمتد إلى ما بعد جلسة البرلمان المُرتقبة.

وتتلاقى المخاوف التي بدأت تفرض إيقاعها على التحركات السياسية والحزبية التي تكثفت خلال اليومين الماضيين، مع خشية أخرى من أن تكون تلك التفاهمات على حساب العلاقة بين هشام المشيشي، والرئيس التونسي قيس سعيد، والدفع بها نحو التصدع تمهيدا لمواجهة تُتيح خلط الأوراق من جديد.

وتُبقي حركة النهضة الإخونجية (54 مقعدا برلمانيا) موقفها غامضا إلى غاية الآن، ومع ذلك استبق النائب سيد الفرجاني، اجتماع مجلس شورى النهضة الذي سيُعقد مساء الاثنين، لتحديد موقفها النهائي، بالتأكيد على أن التصويت بمنح الثقة لحكومة هشام المشيشي المُقترحة هو “ضرورة فرضها الأمر الواقع”.

وأضاف في تصريحات إذاعية أن “البلاد اليوم لا تتحمل انتخابات مبكرة؛ وهي في وضعية اقتصادية واجتماعية هشة لا تستوعب عدم الاستقرار السياسي”، لافتا إلى أن حركة النهضة “لمست لدى المشيشي رغبة في التعاون مع الأحزاب”، على عكس توجهات الرئيس قيس سعيد.

وساهم هذا الفصل بين موقفي الرئيس قيس سعيد والمشيشي في تزايد تلك المخاوف، وخاصة أنه تزامن مع حملة موجهة ضد الرئيس تجاوزت مواقع التواصل الاجتماعي إلى التصريحات العلنية، وسط كم هائل من التسريبات التي تتحدث عن مواجهة صامتة بين قيس سعيد والمشيشي قد تنتهي بإعلان فك الارتباط بينهما.

وتذهب تلك التسريبات التي باتت تعج بها الكواليس السياسية، إلى القول إن الصدام بين قيس سعيد والمشيشي أصبح وشيكا، وتتوقع أن يتم ذلك قبل جلسة البرلمان لمنح الثقة للحكومة المُقترحة، بعد معلومات تتحدث عن وجود صفقة أبرمها المشيشي مع حركة النهضة وحزب قلب تونس.

وتستهدف الصفقة بحسب تلك التسريبات “محاصرة دور الرئيس قيس سعيد”، حيث تتمحور حول “التصويت لصالح منح الثقة لحكومة المشيشي، مقابل التعهد بإدخال تعديل وزاري على تركيبة الحكومة بعد نحو أسبوعين، يتم فيه استبعاد الوزراء المحسوبين على الرئيس قيس سعيد، وخاصة منهم وزيرَيْ الداخلية والعدل”.

ويتضمن تعهد المشيشي أيضا، وفقا للتسريبات ذاتها، “الالتزام بالعمل على إشراك عدد من الأحزاب في حكومته، وإسناد عدد من الحقائب الوزارية لحركة النهضة وقلب تونس وحزب التيار الديمقراطي”، وهو ما يتعارض مع مقاربة الرئيس قيس سعيد الذي يتمسك بحكومة كفاءات مستقلة.

وفيما تذهب تلك التسريبات إلى الإشارة إلى أن الرئيس قيس سعيد قد يكون تفطن لوجود مثل هذه الصفقة، ويعمل من أجل إفشالها، رأى الباحث السياسي عبدالحميد بن مصباح، أن الحديث عن خلافات بيت الرئيس قيس سعيد وهشام المشيشي لا دليل عليه”.

وأوضح “على الأقل لا دليل على أننا وصلنا إلى حالة فك الارتباط بين الرجلين، وخاصة أن الأصل في الأنظمة ذات الرأسين في مستوى السلطة التنفيذية أن تكون هناك خلافات واختلافات، وهو ما يفسر تنصيص القوانين على آليات لفض هذه الخلافات”.

لكن ذلك لم يمنع السياسي التونسي المُخضرم، أحمد نجيب الشابي، من القول إن الحكومة المُعلنة هي “حكومة الرئيس وانتهى الأمر”، معتبرا أن من الخطأ اليوم التركيز على دور رئيس الجمهورية قيس سعيد في تشكيل الحكومة.

 

 

 

الأوبزرفر العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى